Sunday 2 April 2017
April 02, 2017

غلي مياه الشرب مرةً ثانيةً.. ما حقيقته؟ وما علاقته بتغيُّر أهم أرقامه المعيارية؟



إنَّ معظم المياه الصالحة للشرب تحتوي على معدَّلات من المواد الصلبة ذائبة فيها تقع ضمن ما هو متفق عليه عالميًا وتقبله معظم المنظمات الصحية الدولية كمنظمة الصحة العالمية (WHO) ووكالة الحماية البيئية (EPA) وغيرها من مؤسسات صحية وبيئية. وأعني هنا بالمواد الصلبة الذائبة في الماء، أي محصِّلة مجموع العناصر سالبة الشحنة والتي تُسمَّى بالـ "أنيونات" مع مُحصِّلة مجموع العناصر موجبة الشحنة والتي تُسمَّى بالـ "كاتيونات" بالملجرام في اللتر الواحد (ملجرام/لتر) أو بجزء من المليون (ppm). فكُل ما يقع ضمن نطاق ما هو أقل من الـ 1500 ملجرام/لتر من المواد الصلبة الذائبة هو عمومًا "صالح للشرب" (بحسب نصوص منظمة الصحة العالمية، كمثال مرجعي للصحة)، وهذا لا يعني بالضرورة أنَّه "مسموح به" من قِبل الجهات الرقابية في بعض الدول، لأنَّها تسعى لضمان الحصول على مياه صحية على جميع المستويات، والتي تراها مُتداخلة مع ظروفهم البيئية وأحوالهم المناخية والجغرافية وطبيعة تركيبة المياه المُستخدَمة لديهم كمصادر أساسية للشُرب، وبحيث تكون مقبولة عمومًا من قِبل المُستهلكين لديهم؛ فلاحظ هذا الأمر جيدًا. هذا فضلًا عن أنَّنا لن نستَطّعِم ونستَسِيغ شرب مياه تقترب - في معاييرها العمومية من المواد الصلبة الذائبة فيها - من حد الـ 1500 ملجرام/لتر. 

وهنا لابد من التفريق بين عبارة "صالح للشرب" وعبارة "مسموح به" من قبل بعض المؤسسات الرقابية (الواردتين في الفقرة السابقة). فالكثير من المؤسسات المشرفة على أحوال مياه الشرب في بعض الدول - بشكل عام - لا تسمح بتجاوز تركيز موادها الصلبة عن حدود الـ 600 ملجرام/لتر، وبعضها يُخفِّضُها لحدود الـ 500 ملجرام/لتر (وهذا الأمر يختلف تحدَّيده بين المؤسسات الرقابية في كل دولة). فها هي - مثلًا - وكالة المعايير الهندية (The Bureau of Indian Standards - BIS) تضع الحد الأعلى المقبول للمواد الصلبة في المياه الصالحة للشرب في حدود الـ 500 ملجرام/لتر كحد أقصى؛ إلَّا أنَّها في مادة أُخرى تقول أنَّه في حال عدم توفُّر هذه المياه فيجوز رفع الحد الأعلى المسموح به من المواد الصلبة لحدود الـ 2000 ملجرام/لتر؛ متجاوزةً بذلك حتى الحد الموضوع من قِبل منظمة الصحة العالمية، بل وتعدّه صالحًا للشرب. 

ولزيادة التوضيح، أذكر لكم بأنَّ أمريكا - مثلًا لا حصرًا - لا تنصح بتجاوز حد الـ 500 ملجرام/لتر (ولاحظ أنَّني أقول "لا تنصح" ولم أقل أنَّها "لا تسمح")، بينما جارتها كندا ترفع الحد المسموح به إلى 1000 ملجرام/ لتر. أمَّا بالنسبة للمجتمع الأوروبي (European Community - EC) فحد تركيزه الأعلى المسموح به (Maximum Admissible Concentration - MAC) هو 1500 ملجرام/ لتر من مجموع كل المواد "الصلبة الذائبة" و"المعدنية" فيها الشاملة لكل المواد الثقيلة التي يُطلق عليها مُجتمعةً بالمواد الجافة الصلبة بعد التبخير (dry residues)، وهو مُصطلح أعم من مصطلح "المواد الصلبة الذائبة" لوحده. وهذا التركيز من المواد الجافة الصلبة في مياه المجتمع الأوروبي لابد أنْ يكون مقرونًا بضرورة التقيّد بحدود تركيز نسب بقية المركبات بحسب ما ورد من قِبلهم من لوائح معيارية تتعَلَّق بكل عنصر على حدة، مِمًا يجعل الماء لديهم عمومًا مُستساغ طعمًا حتى عند ارتفاع المواد الصلبة فيه مُقارنة بغيرهم من دول، خصوصًا وأنَّ مصادر مياه الشرب لديهم تعتمد بالدرجة الأولى على الأنهار العذبة والينابيع الطبيعية؛ وهو ما يعني أيضًا أنَّ تركيبة المواد الصلبة قبل التحلِّية في مصادر مياههم وأنواعها تختلف عمَّا هو موجود أساسًا في مصادر مياه دول أُخرى (وهذا المقياس من التعامل يتم تطبيقه - في العموم - من قبل معظم المؤسسات الرقابية في الكثير من الدول، لأنَّ الأساس هو: أنَّ كل دولة أبخص بطبيعة مصادر المياه لديها).

وهنا لابد من لفت الانتباه إلى أنَّ مياه الشرب عمومًا (وبعيدًا عمَّا تقرُّه بعض المؤسسات الرقابية في بعض الدول) تُقسَّم من ناحية صحية ومن ناحية القبول كطعم واستساغة من قبل المستهلك (اعتمادًا على موادها الصلبة الذائبة فيها) على النحو التالي: أقل من 300 ملجرام/لتر (ممتازة)؛ 300 – 600 ملجرام/لتر (جيدة)؛ 600 - 900 ملجرام/لتر (مقبولة)؛ 900 - 1200 ملجرام/لتر (رديئة)؛ 1200 – 1500 ملجرام/لتر (غير مقبولة). ولا ننسى هنا أيضًا (وهي نقطة للتذكير، حتى لا يُفهم من مُجمَل الكلام أنَّنا نسعى فقط للتخلُّص من المواد الصلبة الموجودة في المياه بأي شكل من الأشكال دون قيد أو شرط): أنَّ تدنِّي مستوى المواد الصلبة وابتعادها كثيرًا عن حاجز الـ 100 ملجرام/لتر نزولًا سيعني عدم كفاءتها كمياه وافتقارها صحيًا، وقد تصل عند انخفاضها لمستويات مُتدنِّية جدًا جدًا لغياب طعمها وترك مذاق مُر عند شُربها من قِبل المُستهلك، بل وقد تصل لدرجة تأثيرها على الأنابيب وتسبِّبها في تأكلها.

ولو تأملنا في كل المياه الصالحة للشرب فإنَّنا - في العموم واعتمادًا على التقسيم أعلاه - نستطيع تقييمها والحكم عليها من خلال طعمها الذي اعتدنا عليه (ولا داعي لاستخدام أجهزة كشف مُتخصِّصة)، حيث أنَّنا سُرعان ما سنشعر بغياب طعم الحلاوة المُعتادين عليه فيها. أمَّا الأمر الأهم فهو أنَّ غالب هذه المياه التي يتعم تعريفها بـ "صالحة للشرب" في الدول الخليجية وفي معظم الدول المُتقدِّمة تقع ضمن نطاقات قريبة من حدِّها الأدنى (أي أنَّ غالبها يدور في فلك الـ 300 ملجرام/لتر، هذا إذا لم تكن أقل من ذلك بكثير، وقد يصل بعضها لنطاق الـ 100 ملجرام/لتر)، وأنَّ غليها وتبخُّر جزء منها مأخوذ بعين الاعتبار من لدن الجهات الرقابية والمؤسسات الصحية المُشرفة عليها في هذه الدول. وهو ما يعني أنَّنا حتى عند تسخينها فإنَّها لن تتجاوز تلك الحدود المنصوص عليها، بل أنَّها ستدور في نطاقها، وستبقى عمومًا صالحة للشرب.

أمَّا بالنسبة لمن يُعاني من بعض الأمراض الصحية، فأنَّ مُعاملتُهم ستكون مُعاملة خاصة، وما يصدق عليهم قد لا يصدق على غيرهم من الأصحاء (حيث يُحدِّد هذا الأمر غالبًا الطبيب المُعالج). وقد يصل الأمر عند بعضهم لضرورة التقيُّد بمعايير مُحدَّدة تتعلَّق بعنصر بعينه (كعنصر الصوديوم مثلًا عند بعض الفئات المرضية، وما شابه من عناصر تدخل في ميكانيكية تشكُّل بعض الأمراض أو عمل بعض الأدوية في الجسم البشري) فضلًا عن تقيّدها بمجموعة العناصر الصلبة الذائبة في الماء. إلَّا أنَّي أقول هنا أنَّ هذا الأمر هو نادر الحدوث في الدول المُتقدِّمة وعادةً لا نُلاحظ توجيهات صحية بهذا الشأن فيها (لمعرفتها بحدود معايير المياه الصالحة للشرب فيها)؛ حيث أنَّ معظم التوجيهات الطبية المُتَعَلِّقة بشأن المواد الموجودة في المياه تستهدف دول بعينها لا يتم فيها التقيُّد بالمعايير الدولية. ولا ننسى هُنا أيضًا (وهو للتذكير) أنَّ كمية الأملاح التي نحصل عليها عمومًا من العديد من الأغذية المُمَلَّحة والصناعية هو أكثر بمئات أضعاف ما هو موجود من نسب ضئيلة موجودة في مياه الشُرب التي يتم حسابها بأجزاء من المليون. وما أعنيه هنا هو: أنَّ التوجيه لابد وأنْ يُحاكي في نصوصه بالدرجة الأولى هذه الأغذية قبل مُحاكاته لموضوع المياه الصالحة للشرب أساسًا وعنوان إعادة تسخينه من عدمه. 

وعليه، فإنَّ موضوع تسخين الماء الصالح للشُرب مبدئيًا بحسب المعايير المسموح بها عند معظم المؤسسات الرقابية - والمُستساغ طعمًا من قِبل المُستهلك من الأساس - لمرةٍ ثانيةٍ لن يُغير عمومًا من القضية شيء؛ حيث أنَّ عبارة "المسموح به" الموضوعة من قِبل المؤسَّسة المُشرفة على صلاحية مياه الشرب هي كافية، وستُراعي في مُعطياتها - عمومًا - الكثير من التغيُّرات التي قد تُصاحب موضوع مُعالجاته اليومية من قِبل المُستهلك.

ولو فرضنا جدلًا أنَّ الأمر يستدعي توجيه عموم الناس توجيًها صحيًا في هذا الشأن (وأنا أطرح هذا الافتراض موضِّحًا) فإنَّه من الأولى أنْ يشمل في مُعطياته الكثير من عمليات الطبخ التي يتم تجفيف الماء فيها لمستويات مُتدَّنية جدًا، كالذي يحدُث عند طهي الأرز وما شابه من عمليات طهي يتبخَّر فيها الماء بشكل شبه كلي، وليس في عموم تسخين الماء المحدود النطاق والتطبيق.

0 comments:

Post a Comment